الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث رسالة عاجلة الى الباجي قايد السبسي تنادي بإطلاق السجين ماهر المناعي

نشر في  21 ماي 2015  (14:49)

وجه عدد من الناشطين الحقوقيين رسالة عاجلة الى رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي منادين بإطلاق السجين ماهر المناعي. وهذا ما جاء في الرسالة:

سيادة الرئيس: لقد وجهتم دعوة مؤثرة إلى المصالحة الوطنية في خطابكم يوم 20 مارس وقلتم إنّه لا مستقبل ما لم يتصالح أبناء هذه البلاد وما لم يلقوا جانبا كلّ المزايدات والأحقاد. كيف يمكن أن تلاموا على ذلك مادامت المعركة ضدّ الإرهاب والمعركة من أجل الانتعاش

الاقتصادي تتطلبان أمّة موحّدة، ولكن هل إنّ التوحيد يتوقّف عند حدّ تصالح التونسيين أم يتطلّب أيضا تصالحهم مع دولتهم؟

نحن نحلم –مثلما تحلمون- بتونس أقوى وأعدل فيها ينعم التونسيون بالعيش في ظلّ دولة تمّ –بعد لأي - إصلاحها ومصالحتها مع قيم الحرية والكرامة. هذا التغيير مازال يتواصل- وما انتخابكم إلا دليل آخر عليه- لكنّه تغيير ما زال بطيئا جدّا،ومطلب الكرامة تتطلّب المرور أوّلا بالعدالة، فأين نحن الآن من ذلك؟ إنّنا بعيدون عن المطلوب فهناك خروقات في كلّ مستويات سلسلة العدالة: خلال الاستنطاقات والأبحاث التي تجريها الشرطة، وخلال التحقيق، وخلال المحاكمة.

هذه الإخلالات يعود جانب منها إلى قلّة الإمكانيات، ولكنها تعود أيضا إلى مقاربة «اتّهامية» نادرا ما يكون الشكّ فيها لفائدة المتّهم. فالقضاة المطالبون بالتحقيق في القضايا في مهلة معقولة يميلون إلى تغليب النجاعة على حساب حقوق المتقاضين بالاتّكاء على الاعترافات المسجّلة في الطور الأوّلي من تحقيق رجال الشرطة. والأكيد أنّه لا توجد عدالة كاملة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية تمّ إطلاق سراح السجين «أنطوني راي هنتون» وهو رجل أسود، بعد ثلاثين عاما قضاها في عنابر الموت في ولاية الاباما ليكون بذلك السجين الـ152 الذي تتمّ تبرئته في الولايات المتحذة الأمريكية بعد الحكم عليه بالإعدام منذ 1973 وهذا الرقم ينبغي أن يحمل على التفكير.

سيدي الرئيس:
هناك رجل منعزل في غياهب زنزانته وقد فقد كلّ أمل، يقبع في السجن منذ ما يقارب 12 عاما أي ثلث حياته تقريبا.. إسمه ماهر المناعي، وهو اسم قد لا يعني لكم شيئا ولكن وضعيته تستدعي فيكم ولا شكّ المحامي الذي كنتموه على الدوام فهي مثال مأساويّ لأخطاء نظامنا القضائي.

لقد تم إيقاف ماهر المناعي يوم 6 سبتمبر 2003 في صفاقس وقد اتهم بالقتل وحُكم عليه بالإعدام بعد بحث وتحقيق ومحاكمة شابتها جميعا إخلالات. ماهر المناعي ظلّ دائما متمسكا ببراءته ولم تتوفر له مطلقا إمكانية الدفاع عن نفسه وإبلاغ حججه. ببساطة لم تتوفر له الإمكانيات.

تمتّع ماهر بعد الثورة مثل الـ121 الآخرين من سجناء الحق العام المحكوم عليهم بالإعدام بعفو خاصّ يوم 12 جانفي 2012 قضى بتخفيف حكم الإعدام إلى السجن المؤبد. كان العزاء ضحلا...وبعد أسابيع قليلة تمّ نقل منحرف صغير يدعى بدر الدين س. من سجن صفاقس إلى سجن المرناقية لقضاء ما تبقى له من العقوبة وقد زُجّ به في نفس الزنزانة التي يوجد فيها ماهر المناعي.

هذا القادم الجديد كان يفخر أمام السجناء بما ارتكب من جرائم أشنع من تلك التي حوكم من أجلها. فقد أكد مثلا أنه كان شاهدا وشريكا في جريمة قتل وقعت قبل 9 سنوات في صفاقس وحوكم فيها «شخص مسكين» على سبيل الخطإ. وقد سرد المسمّى بدر الدين تفاصيل مربكة. وأحسّ ماهر المناعي وهو ينصت إلى هذه الاعترافات بأنه تجمّد وأن دمه صار ثلجا، وفهم أنّه هو المعنيّ بهذا الحديث، أيّ سلسلة مصادفات هذه التي جعلت القدر يضع على طريقه أحد المسؤولين عن مأساته..ووصل الرجلان إلى التشابك بالأيادي، وتوصل رفاقهما في الزنزانة مع الحراس الذين تنبهوا إلى الضجيج إلى فصلهما عن بعضهما.

واتصل ماهر بوالديه اللذين عادا للعيش في الكاف فعيّنا له محاميا جديدا وتمّ تقديم شكوى جديدة يوم 24 مارس 2012 لدى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بمنوبة التي يرجع لها بالنظر السجن المدني بالمرناقية وذلك لإعادة فتح تحقيق قصد إعادة المحاكمة وقد عُهد بالقضية إلى فرقة الأبحاث بالعوينة التي استمعت الى الشهادات وقامت باستنطاق بدر الدين الشاهد –الشريك الذي كرر اعترافاته وحدّد المرتكب الحقيقي للجريمة الذي اتّضح أنه مجرم متحصّن بالفرار وقد تم تدوين تصريحاته في محضر البحث بتاريخ 28 أوت 2012.

سيدي الرئيس،
رغم هذه الشهادة الصريحة التي تبرئ ماهر المناعي والتي لم تكن على ذمّة المحكمة عند إصدار الحكم بالإعدام، فإنه ما زال قابعا في السجن. وكلّ المساعي التي بذلها هو وعائلته ولجنة المساندة التي تشكلت للمطالبة باطلاق سراحه، لم تفلح.

نظريا يمكن لمن صدرت في حقهم أحكام نهائية أن يطلبوا مراجعة محاكماتهم، وهو طلب ينبغي أن ينبني على عناصر جديدة لم تكن على ذمّة القضاء وقت المحاكمة (الفصول من 277 – 279 من المجلة الجزائية) والكلمة الفصل تعود إلى وزير العدل. ولقد ضاعفنا مساعينا في هذا الاتجاه بداية من جوان 2013 مخيّرين دائما التعاون والحوار على المواجهة ليقيننا بأن قضية ماهر المناعي واضحة وعادلة وأنها قضية عادية لا علاقة لها بالسياسة، لكنه من الواضح أننا أخطأنا التقدير إذ استهنّا على ما يبدو بمدى قدرة الإدارة القضائية على الجمود. نذير بن عمو مثلا، الوزير السابق للعدل لم يحرّك ساكنا أمام مناشداتنا، أما خلفه ورغم تحسيسه بأهمية القضية فإنه رفض في جويلية 2014 مطلب مراجعة المحاكمة.

«استقالة السياسي» هذه التي يمكن أن نقرأها في تصرفات الوزراء المتعاقبين على وزارة العدل قد تجلت كأبهى ما يكون في موقف سلفكم الرئيس السابق الدكتور المنصف المرزوقي الداعية المتحمس إلى إلغاء حكم الإعدام والذي اُحيط هو الآخر علما بالوضع المأساوي لماهر المناعي فضّل الركون إلى رأي لجنة العفو بوزارة العدل الرافض لإعادة النظر في القضية. لم يمارس الرئيس المرزوقي الصلاحيات المخولة له حين كان بإمكانه إصلاح خطإ قضائي بتمتيع ماهر المناعي بالعفو...

علينا جميعا امتحان ضمائرنا. لماذا لا نهتم كثيرا بوضع سجناء الحق العام وما يمكن أن يتعرضوا له من مظالم؟ لماذا تبدو جمعيات حقوق الإنسان على اختلافها شديدة الخجل بل غائبة تماما عندما يتعلق الأمر بهذا النوع من السجناء فيما استأثر السجناء السياسيون وسجناء الرأي على امتداد عشريتين بمعركة حقوق الإنسان.

لقد كان هذا الكفاح ضروريا بل وحتميا لكنه أهمل السجناء الآخرين، سجناء الحق العام رغم أنهم أكثر عددا، كما أنهم وعلى عكس ما يعتقد ليسوا بمعزل عن التجاوزات والأحكام الاعتباطية. هؤلاء لا حق لهم في محاكمة عادلة وخاصة أولئك الذين ينحدرون من أوساط فقيرة أو مناطق مهمشة في مجتمعنا وهم الأكثر عرضة للأخطاء المتكررة للقضاء شأن المسكين ماهر المناعي.

سيدي الرئيس،
في نظر الكثيرين هناك التقاء بين مسألة العقوبات والمسألة الاجتماعية والمسألة الجهوية، والانطباع العامّ هو أنّ العدالة التونسية تعمل كعدالة ذات سرعتين، فهي شديدة على»الزوالي» وليّنة مع الغنيّ أو من ينجح في استعمال علاقاته. وقد بدا ذلك واضحا في كتاب بعنوان « Le syndrome de Siliana «وهو تحقيق حول الإعدام في تونس تم إنجازه في ديسمبر 2012 في خمسة سجون تونسية وقد تضمن التحقيق شهادة لماهر المناعي وهو واحد من بين ثلاثين محكوما سابقا بالإعدام قام فريق التحقيق باستجوابهم بعد اختيارهم عشوائيا وقد تبيّن أن ربع هؤلاء هم أصيلو ولاية سليانة التي لا تمثل إلا نسبة 2 % من عدد سكان البلاد التونسية ومن هنا جاءت تسمية الكتاب.

كلمة أخيرة في هذا السياق، إن ولايات سليانة وجندوبة والكاف وسيدي بوزيد وقفصة التي تعتبر عند الكثيرين مهد الثورة هي أيضا الأكثر تمثيلية بين المحكومين بالإعدام في قضايا الحق العام.

إن القضاء الطبقي والهفوة القضائية لا يحتملان لأنهما يمثلان تعديا صارخا على الميثاق الجمهوري إنهما يضربان في العمق العقد الاجتماعي فالدولة التي يفترض أن تحقق وتضمن العدالة بين أفرادها تبدو بمظهر المستبد الذي يسحق الضعفاء ويخلي سبيل الأقوياء فلا عجب أن تنتفض قطاعات واسعة من مجتمعنا من أولئك المتعطشين إلى الشعور بالمواطنة.

إنّ العدالة الطبقية والأخطاء القضائية تمثل مساسا بالعهد الجمهوري، وهي تلغّم العقد الاجتماعي مادام بيننا من ما زال يرى الدولة -التي من المفترض أنها تضمن هذا العقد وتحققه- مؤسسة اعتباطية وقمعيّة تسحق الأكثر ضعفا وتحمي الأكثر قوّة، فلا ينبغي أن نُفاجأ إذا فكّكت شرائح كاملة من مجتمعنا رباطها عن هذه الدولة وتحدّت رابط الولاء المواطني. لقد كانت ثورة 14 جانفي ثورة الحرية والكرامة وإن كانت الحرية اليوم مكسبا، فإن مسألة الكرامة ما زالت مطروحة بشدّة. ونعتقد أنّ توفير العدل لضحايا العدل ينبغي أن يشكّل اللبنة الأولى في إعادة تركيز العقد الاجتماعي. مصالحة الأمّة شيء لا محيد عنه، أمّا مصالحة المواطنين مع دولتهم فهي كذلك أمر حيويّ. إنّه مشغل هائل (un grand chantier) وموقعكم يخوّل لكم أكثر من أيّ كان الدفع في اتّجاهه لأنّكم تمارسون مهامّ القاضي الأوّل.

سيدي الرئيس،
إننا نلجأ إليكم يا سيادة الرئيس لأنّكم من «مريدي» القانون –وهذا معنى التكريم الاستثنائي الذي كرسته لكم جامعة السوربون مؤخرا- إنّنا نلتفت إليكم وندعوكم بكلّ احترام إلى الانكباب على وضعية هذا الرجل، ماهر المناعي، لإيجاد الحلّ الأمثل الذي يضع حدّا لمعاناته التي طالت أكثر من اللازم.

• الموقعون على هذه الرسالة المفتوحة:
- هالة عمار: مصورة فوتوغرافية
- الطيب بالصادق: محامي
- سامي غربال: صحفي وكاتب
- ألفة الرياحي: صحفية
- مراد الزغيدي: صحفي.